فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



البحث الثالث: الضمير في قيله لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
البحث الرابع: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ضجر منهم وعرف إصرارهم أخبر عنهم أنهم قوم لا يؤمنون وهو قريب مما حكى الله عن نوح أنه قال: {رَّبِّ إِنَّهُمْ عصونيا واتبعوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَارًا} [نوح: 21].
ثم إنه تعالى قال له: {فاصفح عَنْهُمْ} فأمره بأن يصفح عنهم وفي ضمنه منعه من أن يدعو عليهم بالعذاب، والصفح هو الإعراض.
ثم قال: {وَقُلْ سلام} قال سيبويه إنما معناه المتاركة، ونظيره قول إبراهيم لأبيه {سلام عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِي} [مريم: 47] وكقوله: {سلام عَلَيْكُمْ لاَ نَبْتَغِي الجاهلين} [القصص: 55].
قوله: {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} والمقصود منه التهديد.
وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
قرأ نافع وابن عامر تعلمون بالتاء على الخطاب، والباقون بالياء كناية عن قوم لا يؤمنون.
المسألة الثانية:
احتج قوم بهذه الآية على أنه يجوز السلام على الكافر، وأقول إن صح هذا الاستدلال فهذا يوجب الاقتصار على مجرد قوله سلام وأن يقال للمؤمن سلام عليكم.
والمقصود التنبيه على التحية التي تذكر للمسلم والكافر.
المسألة الثالثة:
قال ابن عباس قوله تعالى: {فاصفح عَنْهُمْ وَقُلْ سلام} منسوخ بآية السيف، وعندي أن التزام النسخ في أمثال هذه المواضع مشكل، لأن الأمر لا يفيد الفعل إلا مرة واحدة فإذا أتى به مرة واحدة فقد سقطت دلالة اللفظ، فأي حاجة فيه إلى التزام النسخ، وأيضًا فمثله يمين الفور مشهورة عند الفقهاء وهي دالة على أن اللفظ قد يتقيد بحسب قرينة العرف، وإذا كان الأمر كذلك فلا حاجة فيه إلى التزام النسخ، والله أعلم بالصواب.
قال مولانا المؤلف عليه سحائب الرحمة والرضوان: تمّ تفسير هذه السورة يوم الأحد الحادي عشر من ذي الحجة سنة ثلاث وستمائة والحمدلله أولًا وآخرًا وباطنًا وظاهرًا، والصلاة على ملائكته المقربين والأنبياء والمرسلين خصوصًا على محمد صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه أجمعين أبد الآبدين ودهر الداهرين. اهـ.

.قال القرطبي:

{وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ}.
هذا تكذيب لهم في أن للّه شريكًا وولدًا؛ أي هو المستحق للعبادة في السماء والأرض.
وقال عمر رضي الله عنه وغيره: المعنى وهو الذي في السماء إله في الأرض؛ وكذلك قرأ.
والمعنى أنه يعبد فيهما.
وروي أنه قرأ هو وابن مسعود وغيرهما {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ اللَّهُ وَفِي اْلأَرْضِ اللَّهُ} وهذا خلاف المصحف.
و{إله} رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف؛ أي وهو الذي في السماء هو إله؛ قاله أبو علي.
وحسن حذفه لطول الكلام.
وقيل: (في) بمعنى على؛ كقوله تعالى: {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النخل} [طه: 71] أي على جذوع النخل؛ أي هو القادر على السماء والأرض.
{وَهُوَ الحكيم العليم} تقدّم.
{وَتَبَارَكَ} تفاعل من البركة؛ وقد تقدّم.
{وَعِندَهُ عِلْمُ الساعة} أي وقت قيامها.
{وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي {وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} بالياء.
الباقون بالتاء.
وكان ابن مُحَيْصِن وحُميد ويعقوب وابن أبي إسحاق يفتحون أوله على أصولهم.
وضم الباقون.
{وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (86)}.
فيه مسألتان:
الأولى قوله تعالى: {إِلاَّ مَن شَهِدَ بالحق} (من) في موضع الخفض.
وأراد بـ: {الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ} عيسى وعزيرًا والملائكة.
والمعنى ولا يملك هؤلاء الشفاعة إلا لمن شهد بالحق وآمن على علم وبصيرة؛ قاله سعيد بن جبير وغيره.
قال: وشهادة الحق لا إله إلا الله.
وقيل: (من) في محل رفع؛ أي ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة؛ يعني الآلهة في قول قتادة أي لا يشفعون لعابديها إلا من شهد بالحق؛ يعني عُزيرًا وعيسى والملائكة فإنهم يشهدون بالحق والوحدانية للّه.
{وَهُمْ يَعْلَمُونَ} حقيقة ما شهدوا به.
وقيل: إنها نزلت بسبب أن النضر بن الحارث ونَفَرًا من قريش قالوا: إن كان ما يقول محمد حقًا فنحن نتولّى الملائكة وهم أحق بالشفاعة لنا منه؛ فأنزل الله: {وَلاَ يَمْلِكُ الذين يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشفاعة إِلاَّ مَن شَهِدَ بالحق} أي اعتقدوا أن الملائكة أو الأصنام أو الجن أو الشياطين تشفع لهم ولا شفاعة لأحد يوم القيامة.
{إِلاَّ مَن شَهِدَ بالحق} يعني المؤمنين إذا أذِن لهم.
قال ابن عباس: {إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ} أي شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.
وقيل: أي لا يملك هؤلاء العابدون من دون الله أن يشفع لهم أحد إلا من شهد بالحق؛ فإن من شهد بالحق يشفع له ولا يشفع لمشرك.
و{إِلاَّ} بمعنى لكن؛ أي لا ينال المشركون الشفاعة لكن ينال الشفاعة من شهد بالحق؛ فهو استثناء منقطع.
ويجوز أن يكون متصلًا؛ لأن في جملة {الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ} الملائكة.
ويقال: شَفَعْته وشَفَعْت له؛ مثل كِلْته وكلْت له.
وقد مضى في (البقرة) معنى الشفاعة واشتقاقها فلا معنى لإعادتها.
وقيل: {إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ} إلا من تشهد له الملائكة بأنه كان على الحق في الدنيا، مع علمهم بذلك منه بأن يكون الله أخبرهم به، أو بأن شاهدوه على الإيمان.
الثانية قوله تعالى: {إِلاَّ مَن شَهِدَ بالحق وَهُمْ يَعْلَمُونَ} يدل على معنيين: أحدهما أن الشفاعة بالحق غير نافعة إلا مع العلم، وأن التقليد لا يغني مع عدم العلم بصحة المقالة.
والثاني أن شرط سائر الشهادات في الحقوق وغيرها أن يكون الشاهد عالمًا بها.
ونحوه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا رأيت مثل الشمس فاشهد وإلا فَدَعْ» وقد مضى في (البقرة).
قوله تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقولنَّ الله} أي لأقرّوا بأن الله خلقهم بعد أن لم يكونوا شيئًا.
{فأنى يُؤْفَكُونَ} أي كيف ينقلبون عن عبادته وينصرفون عنها حتى أشركوا به غيره رجاء شفاعتهم له.
يقال: أَفَكَه يَأْفِكُه أَفْكًا؛ أي قلبه وصرفه عن الشيء.
ومنه قوله تعالى: {قالوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا} [الأحقاف: 22].
وقيل: أي ولئن سألت الملائكة وعيسى {مَنْ خَلَقَهُمْ} لقالوا الله.
{فَأَنَّى يُوْفَكُونَ} أي فأنّى يُؤفك هؤلاء في ادعائهم إياهم آلهة.
{وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ (88)}.
في {قِيلِهِ} ثلاث قراءات: النصب، والجرّ، والرفع.
فأمّا الجرّ فهي قراءة عاصم وحمزة.
وبقية السبعة بالنصب.
وأما الرفع فهي قراءة الأعرج وقتادة وابن هُرْمُز ومسلم بن جُنْدُب.
فمن جرّ حمله على معنى: وعنده علم الساعة وعلم قِيلِه.
ومن نصب فعلى معنى: وعنده علم الساعة ويعلم قِيلَه؛ وهذا اختيار الزجاج.
وقال الفرّاء والأخفش: يجوز أن يكون {وَقِيلِهِ} عطفًا على قوله: {أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم} [الزخرف: 80].
قال ابن الأنباري: سألت أبا العباس محمد بن يزيد المبرد بأيّ شيء تنصب القيل؟ فقال: أنصبه على {وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيَعْلَم قِيلَهِ}.
فمن هذا الوجه لا يحسن الوقف على {تُرْجَعُونَ}، ولا على {يَعْلَمُونَ}.
ويحسن الوقف على {يَكْتُبُونَ}.
وأجاز الفراء والأخفش أن ينصب القيل على معنى: لا نسمع سِرّهم ونجواهم وقِيلَه؛ كما ذكرنا عنهما.
فمن هذا الوجه لا يحسن الوقف على {يَكْتُبُونَ}.
وأجاز الفراء والأخفش أيضًا: أن ينصب على المصدر؛ كأنه قال: وقال قِيله، وشكا شكواه إلى الله عز وجل، كما قال كعب بن زهير:
تمشي الوُشاةُ جَنابَيها وقِيَلُهُم ** إنّك يا بْنَ أبي سُلْمَى لَمَقْتُولُ

أراد: ويقولون قيلهم.
ومن رفع {قيله} فالتقدير: وعنده قيلُه، أو قِيلُه مسموع، أو قيلُه هذا القول.
الزمخشريّ: والذي قالوه ليس بقوي في المعنى مع وقوع الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بما لا يحسن اعتراضًا ومع تنافر النظم.
وأقوى من ذلك وأوجه أن يكون الجر والنصب على إضمار حرف القسم وحذفه.
والرفع على قولهم: أيمن الله وأمانة الله ويمين الله ولعمرك، ويكون قوله: {وَمَن يُؤْمِن بالله وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَدًا ذَلِكَ الفوز العظيم} جواب القسم؛ كأنه قال: وأقسم بقيله يا ربّ، أو قيله يا ربّ قسمي، إن هؤلاء قوم لا يؤمنون.
وقال ابن الأنباري: ويجوز في العربية {وقيلُه} بالرفع، على أن ترفعه بإن هؤلاء قوم لا يؤمنون.
المهدوِيّ: أو يكون على تقدير وقِيلُه قِيلُه يا ربّ؛ فحذف قيله الثاني الذي هو خبر، وموضع {يا ربّ} نصب بالخبر المضمر، ولا يمتنع ذلك من حيث امتنع حذف بعض الموصول وبقي بعضه؛ لأن حذف القول قد كثر حتى صار بمنزلة المذكور.
والهاء في {قِيله} لعيسى، وقيل لمحمد صلى الله عليه وسلم، وقد جرى ذكره إذ قال: {قُلْ إِن كَانَ للرحمن وَلَدٌ} [الزخرف: 81].
وقرأ أبو قِلابة {يَا ربَّ} بفتح الباء.
والقيل مصدر كالقول؛ ومنه الخبر: «نهى عن قيل وقال».
ويقال: قلت قولا وقِيلًا وقالا.
وفي النساء {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ الله قِيلًا} [النساء: 122].
{فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (89)}.
قال قتادة: أمر بالصفح عنهم ثم أمره بقتالهم؛ فصار الصفح منسوخًا بالسيف.
ونحوه عن ابن عباس قال: {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ} أعرض عنهم.
{وَقُلْ سَلاَمٌ} أي معروفًا؛ أي قل لمشركي أهل مكة {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} ثم نُسخ هذا في سورة {براءة} بقوله تعالى: {فاقتلوا المشركين حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} [التوبة: 5] الآية.
وقيل: هي محكمة لم تنسخ.
وقراءة العامة {فَسَوْفَ يعلمون} (بالياء) على أنه خبر من الله تعالى لنبيه بالتهديد.
وقرأ نافع وابن عامر {تَعْلَمُونَ} (بالتاء) على أنه من خطاب النبيّ صلى الله عليه وسلم للمشركين بالتهديد.
و{سلاَمٌ} رفع بإضمار عليكم؛ قاله الفراء.
ومعناه الأمر بتوديعهم بالسلام، ولم يجعله تحيّة لهم؛ حكاه النقاش.
وروى شعيب بن الحبحاب أنه عرّفه بذلك كيف السلام عليهم؛ والله أعلم. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَهُوَ الذي في السماء إله وَفِى الأرض إله}.
الظرفان متعلقان بإله لأنه صفة بمعنى معبود من أله بمعنى عبد وهو خبر مبتدأ محذوف أي هو إله وذلك عائد الموصول وحذف لطول الصلة بمتعلق الخبر والعطف عليه.
وقال غير واحد: الجار متعلق بإله باعتبار ما ينبىء عنه من معنى المعبودية بالحق بناء على اختصاصه بالمعبود بالحق وهذا كتعلق الجار بالعلم المشتهر بصفة نحو قولك: هو حاتم في طيء حاتم في تغلب، وعلى هذا تخرج قراءة عمر وعلي وعبد الله وأبي والحكم بن أبي العالي وبلال بن أبي بردة وابن يعمر وجابر وابن زيد وعمر بن عبد العزيز وأبو شيخ الهنائي وحميد وابن مقسم وابن السميقع {وَهُوَ الذي في السماء الله وَفِيكُمْ الأرض الله} فيعلق الجار بالاسم الجليل باعتبار الوصف المشتهر به، واعتبر بعضهم معنى الاستحقاق للعبادة وعلل ذلك بأن العبادة بالفعل لا تلزم، وجوز كون الجار والمجرور صلة الموصول، و{إِلَهٍ} خبر مبتدأ محذوف أيضًا على أن الجملة بيان للصلة وأن كونه سبحانه في السماء على سبيل الإلهية لا على معنى الاستقرار.
واختيار كون {إِلَهٍ} في هذا الوجه خبر مبتدأ محذوف على كونه خبرًا آخر للمبتدأ المذكور أو بدلًا من الموصول أو من ضميره بناء على تجويزه لأن إبدال النكرة الغير الموصوفة من المعرفة إذا أفادت ما لم يستفد أولًا كما هنا جائز حسن على ما قال أبو علي في الحجة لأن البيان ههنا أتم وأهم فلذا رجح مع ما فيه من التقدير وحينئذ فلا فاصل أجنبي بين المتعاطفين، ولا يجوز كون اجلار والمجرور خبر مقدمًا وإله مبتدى مؤخرًا للزوم خلو الجملة عن العائد مع فساد المعنى، وفي الآية نفي الآلهة السماوية والأرضية واختصاص الإلهية به عز جل لما فيها من تعريف طرفي الإسناد، والموصول في مثل ذلك كالمعرف بالأداة وللاعتتاء بكل من إلهيته تعالى في السماء وإلهيته عز وجل في الأرض قيل: {وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله} ولم يقل: وهو الذي في السماء وفي الأرض إله أو هو الذي في السماء والأرض إله، وحديث الإعادة قيل مما لا يجري ههنا لأن القاعدة أغلبية كأكثر قواعد العربية.
وقال بعض الأفاضل: يجوز إجراء القاعدة فيه والمغايرة بين الشيئين أعم من أن تكون بالذات أو بالوصف والاعتبار والمراد هنا الثاني ولا شك أن طريق عبادة أهل السماء له تعالى غير طريق عبادة أهل الأرض على ما يشهد به تتبع الآثار فإذا كان إله بمعنى معبود كان معنى الآية أنه تعالى معبود في السماء على وجه ومعبود في الأرض على وجه آخر، وإن كان بمعنى التحير فيه فالتحير في أهل السماء غير التحير في أهل الأرض فلا جرم تكون أطوارهم مخالفة لأطوار أهل الأرض، ومن ذلك اختلاف علومهم فإن علوم أهل الأرض إن كانت ضرورية فأكثرها مستندة إلى الحس وإن كانت نظرية كانت مكتسبة من النظر فإذا انسد طريق النظر والحس عجزوا وتحيروا ولا كذلك أهل السماء لتنزههم عن الكسب والحسن فتحيرهم على نحو آخر، أو نقول التحير في إدراك ذاته تعالى وصفاته إنما ينشأ من مشاهدة آثار عظمته وكمال قدرته سبحانه ولا شك أن تلك الآثار في السماء أعظم من الآثار في الأرض وعليه فيجوز أن يكون الإله بمعنى المتحير فيه ويكون مجازًا عن عظيم الشأن من باب ذكر اللازم وإرادة الملزوم فيكون المعنى أنه تعالى عظيم الشأن في السماء على نحو وعظيم الشأن في الأرض على نحو آخر اه، ولا يخلو عن شيء كما لا يخفى {وَهُوَ الحكيم العليم} كالدليل على النفي والاختصاص المشار إليهما فإن من لا يتصف بكمال الحكمة والعلم لا يستحق الإلهية.